مواقع التواصل تشتعل بمطالبات دولية| مطاردة جنائية لمجرمي الحرب الصهاينة
الخميس - 23 يناير 2025
إنسان للإعلام- تقرير:
مع تطور وسائل الإعلام الإلكترونية، استطاع نشطاء وشباب عرب تصميم حسابات ومواقع إلكترونية مختصة بتتبع مجرمي الحرب في دولة الاحتلال.
تضمنت هذه الجهود إنشاء ملفات شاملة لكل متهم تحتوي على معلومات عن جرائمهم، مدعومة بشهاداتهم الشخصية عبر الفيديوهات والصور التي نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونتيجة لذلك، صدرت أوامر اعتقال ضد العديد منهم في دول مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك وتايلاند، مما أجبر بعضهم على العودة مذعورين إلى الكيان الصهيوني.
في هذه الدول، استجابت المحاكم لدعاوى استندت إلى الأدلة الإلكترونية، ما أدى إلى اعتقال بعض الجنود أو هروبهم، بينما قامت دولة الكيان الصهيوني بتهريب آخرين بمساعدة خارجيتها وجيشها.
أصدر جيش الاحتلال الصهيوني تحذيرات لضباطه وجنوده بشأن احتمال اعتقالهم أثناء سفرهم خارج الكيان، وفي افتتاحية مطلع يناير 2025، حثّ رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست" الجنود على الامتناع عن نشر أي محتوى يوثق جرائمهم في غزة، وكتب في افتتاحيته: "توقفوا عن المشاركة الآن على مواقع التواصل، توخوا الحذر، يتعين على الجنود التفكير مليًا قبل أن ينشروا".
ووفق تقرير صادر عن وحدة أمن المعلومات في الجيش الصهيوني، ينشر الجنود حوالي "مليون مادة يوميًا" على مواقع التواصل، مما يوفر مادة غنية للجهات الحقوقية لملاحقتهم. وبسبب ذلك، قرر رئيس أركان الجيش الصهيوني المستقيل، هرتسي هليفي، في 8 يناير 2025، إخفاء هوية جميع الجنود والضباط المشاركين في العمليات العسكرية المتعلقة بالحرب، خشية تعرضهم لملاحقات قضائية دولية، ورغم ذلك استمر بعض الجنود في مخالفة هذه التعليمات.
تشمل التعليمات الجديدة جميع العسكريين من رتبة عميد فما دون، وتنص على منع نشر أي صور أو أسماء أو مقاطع فيديو قد تُستخدم كأدلة في تحقيقات حول جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.
تهدف هذه الإجراءات إلى "تقليل المخاطر" التي قد يتعرض لها الجنود أثناء سفرهم إلى الخارج، وتُطبق على كافة العسكريين، من وحدات المشاة العادية إلى سلاح الجو والقوات الخاصة، بما في ذلك كبار الضباط في الوحدات القتالية والإدارية.
تأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد الجهود القانونية التي تقودها منظمات حقوقية لملاحقة الجنود الصهاينة بتهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وقد أُثير هذا الملف بشكل خاص بعد تقديم منظمة "هند رجب" دعاوى قضائية أدت إلى فتح تحقيقات ضد جنود الكيان الصهيوني.
كما ازداد القلق داخل دولة الاحتلال من احتمالات الملاحقات القضائية الدولية لجنودها منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر اعتقال بحق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق "يوآف غالانت".
غسيلهم القذر "أون لاين"
نشر جنود الاحتلال عددا كبيرا من مقاطع الفيديو والصور التي توثق جرائمهم في قطاع غزة. تضمنت هذه الوثائق مشاهد تعذيب، نهب ممتلكات، تفجير منازل للتسلية، وانتهاك حرمة المساجد للسخرية، ما سهل تتبعهم وكشف "غسيلهم القذر".
ظهر الجنود في هذه المقاطع وهم يرتكبون أفعالاً إجرامية مثل القتل والتعذيب، وتدمير المنازل، ونهب الممتلكات، وتدنيس المساجد، والاعتداء على المعتقلين، ونشروا هذه الأفعال على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي للتفاخر.
وذكرت صحيفة "هآرتس"، في 11 نوفمبر 2024، أن "الجنود الذين وثقوا جرائمهم ضد الفلسطينيين فعلوا ذلك لأنهم يعرفون أنهم بعيدون عن العقاب ولن يُحاسبهم أحد."
لكن مؤسسات مثل "هند رجب" وحسابات مثل"مراقب الإبادة الجماعية الإسرائيلية" تلقفت هذه المواد المنشورة على الإنترنت، وجمعت البيانات، ووثقت الجرائم، وحددت هويات الجنود وتفاصيل الحوادث المصورة، لتبدأ بملاحقتهم قضائيًا.
هذا التوثيق سهَّل ملاحقة جنود الكيان المتورطين في جرائم حرب في غزة، وأصبح لكل جندي أو جندية ملف شبه موثق على مواقع التواصل الاجتماعي، يحتوي على أدلة بالصوت والصورة عن الانتهاكات التي ارتكبوها.
استعانت مؤسسة "هند رجب"- التي تأسست في فبراير 2024 وسُمّيت تيمّنًا بالطفلة الفلسطينية "هند رجب" التي قُتلت في قصف الجيش الصهيوني على غزة يوم 29 يناير 2024- بمقاطع الفيديو والصور التي نشرها الجنود لتتبع تحركاتهم ومقاضاتهم في الدول التي يزورونها.
وقال المؤسس دياب أبو جهجة: "الكيان الصهيوني يحاول تهريب جنوده إلى الخارج خشية اعتقالهم، لكننا نسعى لتحقيق العدالة من خلال تعقب جنود الاحتلال الذين شاركوا في الهجمات على غزة."
ووفقًا لوثيقة صادرة عن دائرة الأبحاث في وزارة "الشتات ومكافحة معاداة السامية" بالكيان الصهيوني، تقف مؤسسة "هند رجب" وراء ملاحقة 28 جنديًا في ثماني دول، منها البرازيل، تايلاند، هولندا، سريلانكا، وفرنسا.
وأكدت صحيفة "هآرتس" أنه تم تقديم نحو 50 شكوى ضد جنود احتياط، فُتحت 10 تحقيقات منها في دول مثل جنوب إفريقيا، سريلانكا، بلجيكا، وفرنسا.
كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم 6 يناير 2025، أن مؤسسة "هند رجب" تقدمت بطلبات اعتقال بحق 1000 جندي مزدوج الجنسية في 8 دول، منها إسبانيا، أيرلندا، وجنوب إفريقيا.
هذه الجهود تمثل تحديًا متصاعدًا لدولة الاحتلال، وتفتح الباب لمزيد من الضغط الدولي لمحاسبة مرتكبي الجرائم في غزة.
سجل جرائم إلكتروني موثق
يلعب حساب " مراقب الإبادة الجماعية الإسرائيلية " على منصة تويتر (المعروفة حاليًا باسم إكس) دورًا بارزًا في رصد وتوثيق جرائم الحرب التي يرتكبها جنود الاحتلال. يقوم الحساب، المعروف باسم Israel Genocide Tracker، بالكشف عن المعلومات الشخصية للجنود بعد اعترافاتهم بجرائمهم ضد الفلسطينيين على حساباتهم الخاصة، ويجري مسحا شاملا لوسائل التواصل الاجتماعي، بما يشمل الجرائم التي وثقوها بأنفسهم ونشروها علنًا.
الأخطر من ذلك، أن الحساب ينشئ "ملف تعريف" لكل جندي، يتضمن الاسم الكامل، العمر وأصل العائلة، وحدة الجيش، مكان السكن، وتتبع تحركاته عبر مواقع الرصد[1].
هذا التوثيق يُستخدم لتسهيل اعتقال الجنود عند سفرهم خارج الكيان الصهيوني، ما تسبب في حالة من الذعر بين أفراد الجيش. ونقلت منظمات يهودية عن جندي قوله: "أخشى أن يتمكنوا من البحث عن اسمي والعثور عليّ هناك."
وبحسب تقرير نشرته القناة 12 العبرية، فإن العديد من الجنود يشعرون بالخوف والارتباك، ولا يعرفون كيف توصل الحساب إلى صورهم ومعلوماتهم الشخصية. هذا القلق يعكس شعورًا متزايدًا بأنهم لم يعودوا في مأمن من الملاحقات القانونية.
على منصة تليجرام، تبرز قناة أخرى تحمل اسم Middle East Spectator Telegram*، تسعى إلى تعقب جنود الاحتلال.
ووفقًا لتقرير صادر عن موقع "ميديا بارت" الاستقصائي، في 7 يناير 2025، قامت هذه القناة بتسريب تفاصيل عن 35 ألف جندي وموظف استخبارات صهيوني، بما في ذلك أسماء وأرقام هواتف وعناوين. الملف؛ بهدف تقديم هؤلاء الأفراد للعدالة في الدول التي تطبق قوانين الولاية القضائية العالمية.
موسم حصاد "جراد الحرب"
قالت هيللي مودريك-إيفن كين، الخبيرة في القانون الدولي ورئيسة مركز أبحاث الإبادة الجماعية بجامعة أرييل: "ظاهرة رصد مجرمي الحرب ليست جديدة، وبدأت منذ حوالي 20 عامًا مع انتشار مفهوم الولاية القضائية العالمية."
والولاية القضائية العالمية هي مبدأ قانوني يسمح للدول بمقاضاة أفراد متهمين بجرائم خطيرة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية المتورطين فيها.
ويُعد هذا المبدأ أداة فعالة لتحقيق العدالة، خاصة عندما تكون الدول التي ارتُكبت فيها الجرائم غير قادرة أو غير راغبة في محاكمة الجناة.
ويُظهر تنامي هذه المبادرات، سواء عبر وسائل التواصل أو المنصات الرقمية الأخرى، تصميمًا عالميًا على تحقيق العدالة ومحاسبة جنود الكيان الصهيوني على انتهاكاتهم، مما يضعهم في دائرة الملاحقة القانونية بشكل غير مسبوق.
وقد أدت عمليات توثيق ونشر الجرائم التي ارتكبها جنود الاحتلال في غزة إلى بناء ملفات شاملة لكل جندي متورط، تحتوي على تفاصيل جرائمه، وصوره، وعناوينه، ومعلومات عن عائلته، مما جعل من الممكن ملاحقته قضائيًا في مختلف دول العالم بمجرد مغادرته الكيان الصهيوني.
وفي 5 يناير 2025، أصدرت محكمة برازيلية أمرًا عاجلًا للشرطة بتوقيف أحد جنود الجيش الصهيوني للتحقيق معه بتهم تتعلق بجرائم حرب في غزة. استندت الشكوى الجنائية، المقدمة من منظمة "هند رجب"، إلى اتهام الجندي بالمشاركة في هدم أحياء مدنية بالكامل ضمن حملة ممنهجة تهدف لفرض ظروف معيشية غير إنسانية على الفلسطينيين، ما يشكل جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وفقًا للقانون الدولي.
وأرفقت المنظمة في شكواها أكثر من 500 مستند، تضمنت مقاطع فيديو وصورًا تُظهر الجندي وهو يزرع متفجرات ويشارك في تدمير أحياء غزة. وأكدت هذه الأدلة تورط المشتبه فيه بشكل مباشر، ما دفعه للهروب ليلاً من البرازيل إلى دولة مجاورة ومنها إلى تل أبيب، ملغيًا إجازته السياحية. [2]
وفي نوفمبر 2024، فرّ ضابط احتياط صهيوني من قبرص بعد أن نشرت منظمة فلسطينية اسمه وصورته، وأعلنت تقديم شكوى ضده تتهمه بارتكاب جرائم حرب في غزة. هذا الهروب أثار قلقًا واسعًا بين أفراد الجيش الصهيوني.
توسع المحاكمات في دول أخرى
ذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم"، في 5 يناير 2025، أن مجموعة عربية كشفت عن هوية الجندي الصهيوني يتسحاق كوهين، متهمةً إياه بالتورط في قتل يحيى السنوار، رغم نفي الجندي هذه المزاعم، إلا أن القضية تسببت في تهديدات له ولعائلته، مما يعكس حجم الخطر الذي يواجه جنود الاحتلال المتهمين[3].
وفي 6 يناير 2025، قدمت منظمة " هند رجب" دعوى قضائية ضد جندي صهيوني في محكمة تايلاندية، متهمةً إياه بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على غزة.
ويشير محللون صهاينة إلى أن هذه الملاحقات القضائية تمثل "رسالة سلبية" للمجتمع الصهيوني، تُظهر عزلة الكيان المتزايدة ورفض الرأي العام العالمي لممارساته. هذه المحاكمات تسهم في وضع جنود الكيان في حالة حصار داخل بلادهم، حيث يعيش الجنود المتورطون في جرائم حرب حالة من الذعر والانعزال.
ويواجه الكيان الصهيوني هذه التحديات بتشكيل هيئة مشتركة تضم النيابة العسكرية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والشاباك (المخابرات)، لمتابعة قضايا الضباط والجنود الذين يواجهون محاكمات دولية. وتعتمد هذه الهيئة على تقنيات تكنولوجية في محاولة لاحتواء الأضرار، إلا أن القلق العام يتزايد مع تصاعد هذه الملاحقات.
هذه الملاحقات القضائية تمثل جهدًا متزايدًا لتطبيق العدالة الدولية، وتؤكد أن تكنولوجيا المعلومات والجهود الحقوقية العالمية قادرة على ملاحقة منتهكي حقوق الإنسان، حتى لو ظنوا أنهم في مأمن من العقاب.
الهوامش:
[1] رابط تغريدة توضح نشاط حساب Israel Genocide Tracker: اضغط هنا.