هل المحاولة الانقلابية الفاشلة في السودان مسرحية لتمكين "البرهان"؟!
الأربعاء - 22 سبتمبر 2021
خاص – مركز إنسان
يبدو أن ما أعلنه حكام السودان (خليط من العسكريين واليساريين ) عن "محاولة انقلابية فاشلة" واتهام إعلام الثورة المضادة في الخليج مثل قناة العربية لجماعة الإخوان في السودان وأنصار الرئيس السابق البشير بتدبيرها ليس سوى مسرحية مرتبة بعناية لنقل السودان لمرحلة أخرى من حكم العسكر.
إعلان مصدر حكومي سوداني، إن "ثمّة محاولة انقلاب جارية"، وأنّه "جارٍ اتخاذ إجراءات لاحتوائها"، وتوجيه العسكريين والحكومة اليسارية نداءات إلى الجمهور للتصدي لهذا الانقلاب يشير ضمنا لأن الانقلاب ضخم وأنه لا قبل لعبد الفتاح البرهان ومن عاونوه في انقلابه ضد البشير بهذا الانقلاب الجديد لذا طلب معونة الشعب للتصدي له.
لكن معاودة الحكومة إعلان أنه تم وأد الانقلاب بعد ساعة واحدة من اندلاعه في مقر سلاح المدرعات، أقوى سلاح بحكم امتلاكه دبابات ومدرعات، والتحقيق مع من قاموا به يشير لأن الانقلاب المعلن عنه "مسرحية" مدبرة.
ملابسات الانقلاب الأخرى تؤكد ذلك، "أسماء سيد أحمد" المعدة في التلفزيون السوداني قالت إنهم حين ذهبوا للتلفزيون أبلغهم فني البث أن اثنين من ضباط الجيش بلباس عسكري حضروا وطلبوا منه يبث مارشات عسكرية لأن في انقلاب فرفض فانصرفوا!
https://www.facebook.com/asmaa.seedahmed/posts/4382387901843928
وهو أمر مضحك إذ كيف يحضر عسكريون للتلفزيون ويطلبوا بث مارشات عسكرية وبيان بالانقلاب ويرفض عامل بسيط طلبهم فيتركوه وينصرفوا!، ودون أن يكون هناك عسكري واحد يحرس مبني التلفزيون أو يجبر هؤلاء العسكريين العامل علي بث بيان الانقلاب كما هو الحال في كل انقلابات العالم!.
والغريب أن مصدر حكومي سوداني رفيع قال لوكالة فرانس برس أن منفّذي العملية حاولوا السيطرة على مقر الإعلام الرسمي لكنهم "فشلوا" مع أن المذيعة السودانية قالت أنهم انصرفوا بعد عدم تلبية عامل البث طلبهم!.
وأشار مصدر رسمي آخر لوكالة رويترز بأن محاولة الانقلاب تضمنت مساعي للسيطرة على إذاعة أم درمان التي تقع على الضفة الأخرى من النيل قبالة العاصمة الخرطوم دون ذكر تفاصيل.
مبتور الساق يقود الانقلاب!
الأمر الثاني أن جسم الجريمة وهو من قاموا بالانقلاب مجهولون، ولم يتم ذكر سوى اسم ضابط واحد قيل إنه اللواء مصطفى البكراوي وتم اعتقاله، من بين 40 زعم عسكريو السودان أنهم عدد الضباط الذين تم اعتقالهم على خلفية الانقلاب.
والأكثر غرابة أن المصادر السودانية قالت إن اللواء مصطفى البكراوي الذي قيل إنه قاد محاولة الانقلاب يعاني من مرض السكري وكان في القاهرة للعلاج وتم بتر ساقه، ورجع من القاهرة قبل يومين ليقوم بالانقلاب وفق مزاعم السلطة!.
وعلى حين قالت المصادر السودانية أن اللواء مصطفى هذا بعثي فصلته جبهة الانقاذ الحاكمة سابقا من الجيش لسوء سلوكه، وتمت إعادته قبل عام بطلب من حزب البعث.
قالت مصادر أخرى أنه "إسلامي" ومريض بعدة أمراض وكان في رحلة علاجية خارج السودان ومسرحية الانقلاب إماراتية إسرائيلية لاجتثاث كل الضباط المسلمين في الجيش السوداني وتهيئة الجيش السودان لعقيدة الديانة الإبراهيمية.
وذكر موقع "نادوس نيوز" أن قائد المحاولة الانقلابية اللواء بكراوي هو من الدفعة 39 ويعاني من داء السكري وكان معتقلا في الفترة الأخيرة مما أدى إلى تفاقم مرضه وأجرى عملية لبتر رجله بالقاهرة وأنه يقرب لمصطفى عثمان إسماعيل وزير خارجية السودان السابق خلال حكم البشير.
لكنهم قالوا إنه "لم يكن ملتزما بالحركة الإسلامية ودخل في خلافات كثيرة مع الإسلاميين حول سلوكه المتمرد" وقال عسكريون أنه فعل هذا كردة فعل لما عاناه في الفترة الأخيرة وكان مدفوعا من قبل عدد من الضباط الإسلاميين!!.
وهي قصة وهمية أخرى، فكيف لعسكري مبتور الساق أن يقود أو يشارك في انقلاب؟ ومن هم الـ 40 ضابط الذين شاركوه؟ وكيف عاد من مصر ليقوم بانقلاب بعد 48 ساعة رغم أن أي انقلاب يحتاج فترة طويلة للإعداد؟، وكيف يسيطر من قاموا بالانقلاب على سلاح المدرعات أقوى سلاح ولا يمكنهم قصف واحتلال كل السودان؟.
اتهام الإخوان
والأهم: لماذا انفردت قناة "العربية" السعودية دون غيرها وإعلام الإمارات بنشر أخبار تزعم أن من شاركوا في الانقلاب كلهم من "الإخوان المسلمون " وسيطروا على سلاح المدرعات التابع للجيش السوداني.
كما أضافت أن بعض الجيوب في سلاح المدرعات، لا تزال القوات الأمنية تتعامل معها ثم تم إعلان انتهاء التمرد والقبض على الانقلابيين.
ودعا عضو مجلس السيادة السوداني محمد الفكي سليمان الشعب السوداني في تدوينة على صفحته الرسمية في فيسوك إلى الدفاع عن البلاد، وقال: "هبوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال"، وفي تدوينه لاحقة بعدها بساعة قال الفكي : "الأمور تحت السيطرة والثورة منتصرة"!.
ربما لهذا كذّب خبراء وناشطون وكتاب بارزون محاولة الانقلاب بالسودان، مؤكدين أن النظام العسكري يحاول تكريس الديكتاتورية ببث الأكاذيب، والتمسك بالسلطة ووأد الثورة السودانية.
فقال الكاتب السوداني د. تاج السر عثمان أن الحديث عن محاولة انقلاب فاشلة في السودان والسيطرة عليها بهذه السرعة "يثير التساؤلات عن مصداقية الحدث وما إذا كان محاولة لإسكات الشارع عن الأوضاع المتدهورة أو ربما يكون ذريعة لتصفية المؤسسة العسكرية لطرف على حساب آخر".
https://twitter.com/tajalsserosman/status/1440223851762184195?s=09
وقال مغردون سودانيون أن انقلاب السودان غير منطقي ولا هدف له سوى تخويف السودانيين من الثورة على السلطة الحالية المشكلة من عسكر ويساريين وفاشلة في حل مشكلات البلاد، بحيث يخاف السودانيون من الانقلاب المزعوم ويتمسكوا بحكومة فاشلة رفعت الأسعار عما كانت عليه أيام عمر البشير أضعافا مضاعفة.
وقالوا: ما الذي تغيّر بعد سقوط البشير؟ ازداد السودان فقرا ولحق به عار التطبيع يعني لا دنيا ولا دين فهل هذا الذي أراده السودانيون؟
وقال آخرون إن الحديث عن محاولة انقلاب فاشلة في السودان والسيطرة عليها بهذه السرعة يثير التساؤلات عن مصداقية الحدث نفسه مؤكدين أنها محاولة لإلهاء الشعب عن الأزمات التي تعيشها البلاد، وجس نبض ومقدمة لانقلاب يقوده رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، متوقعين أن تكون عملية لتصفية قيادات عسكرية منافسة أيضا.
وقال الكاتب الليبي ابراهيم قصوده إنه "انقلاب تحت سقف الانقلاب"، بمعنى أن المنقلبون الأوائل على البشير (البرهان وحميدتي) افتعلوا انقلاب وهمي لنيل الثقة أكثر من الشعب ولمسح صفة الانقلاب الحقيقي عما فعلوه وسُمي "ثورة سودانية".
أو هو محاولة لصناعة تدابير جديدة تعطي العسكر صلاحيات أكبر تحت مسمى حماية البلاد من محاولة إنقلاب.
ممن نفوا الانقلاب وسخروا منه المرشح السابق لرئاسة الجمهورية السودانية أسد النيل الصافي، الذي كذب محاولة الانقلاب وطلب من شرفاء الثورة "الصمت وتمرير الريح النتنة".
وقال: "من عادتي أن أشكك في أخبار قد تأتيك من كاذب متعود الكذب.. محاولة الإلهاء الصباحية أتت من ثلاث أطراف كاذبة: قحت (قوى إعلان الحريَّة والتغيير اليسارية) حدثتنا عن انقلاب وهي كاذبة! الجيش تحدث عن انقلاب وهو كاذب كذوب! قوات الجنجويد الدعم السريع تحدثت عن انشقاق لرائد منها!"
وأكد الكاتب ياسر الزعاترة، أن حميدتي بتحالفه مع الكيان الصهيوني، ومع "الثورة المضادة"، وبقصص الانقلابات الوهمية؛ يكرس دكتاتوريته العسكرية.
وتساءل: كم محاولة انقلابية اكتشف "حميدتي" منذ انقلب على معلمه (البشير)، وسيقدمه قربانا لمحكمة الجنايات الدولية؟!
المحامي المصري المعارض للسيسي محمود رفعت، اعتبر إعلان المجلس العسكري في السودان عن سيطرته على محاولة انقلاب ضخمة بهذه السهولة واعتقال عشرات الضباط "مسرحية كاذبة لإلهاء الشارع عن الأوضاع المعيشية المتدهورة".
وذهب ناشطون إلى أن إعلان الجيش عن محاولة انقلاب فاشلة محاولة لجس نبض مؤسسات الدولة والشارع السوداني المقرر له خوض الانتخابات العامة في أواخر 2022 كجزء من عملية الانتقال السياسي، داعين للتصدي بقوة لأي محاولة انقلاب.
هل هو انقلاب حقيقي؟
ولكن لو كان صحيحا ما يقال عن أن انقلاب السودان، وهو الثالث منذ الانقلاب على البشير، مجرد مسرحية فما هو الهدف من وراء هذه المسرحية؟
هناك نشير لأمران: ( الأول ) إنه من المفترض بحكم الحكم الانتقالي في السودان أن يتولى رئيس مدني حكم البلاد في نوفمبر المقبل 2021 أي يتولى رئاسة مجلس السيادة الذي نصفه عسكريين ونصفه الآخر مدنيين.
فعقب الانقلاب على البشير وتشكيل هذا المجلس السيادي تقرر أن يحكم عسكري هو عبد الفتاح البرهان نصف الفترة الانتقالية الأولى ثم يحكم مدني النصف الثاني من الفترة.
هذا مبرر قوي للعسكريين كي يعلنوا عن انقلاب وهمي في البلد ومن ثم يزيدوا سيطرتهم على السلطة ويتملصوا من تسليم رئاسة المجلس السيادي لمسئول مدني بحيث يبقي عبد الفتاح البرهان رئيسا ويكمل انقلابه على غرار عبد الفتاح السيسي.
(الثاني): أنه قبل الانقلاب بيوم واحد ترددت أنباء كثيرة عن محاولة انقلاب قادمة، ولكن ضابط برتبة رفيعة في الجيش السوداني، نفى لصحيفة "القدس العربي" تاريخ ب20 سبتمبر 2021 أي نية بتنفيذ انقلاب عسكري.
زاعما أن المدنيين في الحكومة الانتقالية هم من يروجون هذه الأنباء عن انقلاب بغرض "الهروب للأمام" وتسويق أن العسكريين يريدون الانقلاب على القوى المدنية، لكسب تعاطف الشارع وتجميعه خلفهم!.
وقبل الإعلان عن هذا الانقلاب حذرت قيادات سياسية ووسائل إعلام من مغبة انقلاب عسكري ينفذه الجيش على المدنيين في السودان، وقال عضو مجلس السيادة الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين محمد الفكي سليمان، إن أي محاولة لإحداث تعديل في المعادلة السياسية، لكسب نقاط، يفتح الباب أمام احتمالات محفوفة بالمخاطر.
الأمر الثالث أنه منذ الانقلاب الذي قاد به البرهان وحميدتي وقوى يسارية ضد البشير وهم يتحدثون عن حل مشاكل السودانيين الاقتصادية وغلاء الأسعار خلال حكم البشير، بينما ما حدث هو أنهم فشلوا وحدث تردي للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، فجاءت "مسرحية الانقلاب" لإلهاء السودانيين والقبول لما هو موجود.