المنع من السفر..أداة قمعية حولت مصر إلى سجن كبير
الخميس - 7 يوليو 2022
- انتقاد حقوقي دولي لنظام السيسي بسبب قرارات المنع من السفر للمعارضين
- أكثر من 10 الاف معارض ممنوعين من السفر ومرصّدين في حال عودتهم للبلاد
- النظام يستخدم منع السفر التعسفي لاستهداف ناشطين في المجتمع المدني وصحافيين
- "فير سكوير" و"هيومن رايتس": إجراءات المنع لا تُعلن رسمياً ولا يتم الطعن فيها
- 15 مصرياً فُرض عليهم منع السفر لست سنوات وجمدت أموال 6 منهم دون أي سند قانوني
- معظم الخاضعين للمنع من السفر علموا بالقرار في المطار والسلطات لم تقدّم سببا قانونيا لذلك
- "فير سكوير" و"هيومن رايتس": النظام يستهدف تكميم الأفواه ومصادرة الحريات وإرهاب المعارضين
- نواب بريطانيون:النظام المصري يستخدم منع السفر كعقوبة وأن على بريطانيا معارضة حكم السيسي ونظامه
- "التايمز" : لا يمكن للناشطين الممنوعين من السفر ممارسة حرية التعبير ولا يستطيعون الخروج ونقد النظام
- المطارات أصبحت "مصيدة" للمعارضين بالمخالفة للدستور الذي يكفل حق السفر لكل المصريين
تنامت ظاهرة إيقاف الجهات الأمنية لبعض المصريين المسافرين أو العائدين من الخارج في مطارات مصر، خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصًا المحسوبين على المعارضة، أو الحقوقيين والصحافيين، من دون أسباب قانونية غالبا، حيث هناك أكثر من 10 الاف معارض مصري ممنوعين من السفر ومرصدين في حالة عودتهم للبلاد، مما أدي لتصاعد الانتقادات الحقوقية الدولية لنظام السيسي بسبب قرارات المنع من السفر للمعارضين المصريين.
وقد أصدرت منظمتا "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش" بيانا أكدتا أن النظام المصري يستخدم منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني وصحافيين.
وتزامن ذلك مع نشر صحيفة "التايمز" البريطانية تقريرا أكد أن هناك دعوات لوزيرة الخارجية ليز للضغط على مصر لإنهاء استخدام منع السفر عن الناشطين والكتاب.
ومن خلال سطور هذا التقرير نرصد بالتفاصيل هذه الظاهرة وتناميها والموقف الحقوقي الدولى والمحلي منها .
منظمتان دوليتان: منع السفر التعسفي يخنق المجتمع المدني في مصر
أفادت منظمتا "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش"، مساء امس الأربعاء، بأنّ مصر تستخدم منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان والصحافيون والناشطات النسويات والباحثون.
و أضافت المنظمتان في بيان مشترك: "لقد أدّت إجراءات المنع التي لا تعلنها السلطات عادةً رسمياً ولا تمنح طريقة واضحة للطعن فيها في المحكمة، إلى تشتيت العائلات والضرر بالمسيرات المهنية والأذى بالصحة العقلية لمن يخضعون لها".
وقال مدير "فير سكوير" جيمس لينش إنّ "منع السفر التعسفي بلا نهاية يسمح للسلطات المصرية بفرض نظام عقابي له أثر كبير على الحياة ويكاد يكون خفياً لأيّ شخص باستثناء أولئك الذين يدمّر حياتهم"، مؤكداً أنّ "المنع سمح لمصر بضرب منتقديها بصمت من دون خوف من إثارة حفيظة مانحيها وداعميها في لندن وباريس وواشنطن". وشدّد أنّ "على مصر إنهاء هذه الممارسات التعسفية والمنتهكة فوراً".
تجدر الإشارة إلى أنّ "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش" قابلتا في هذا الإطار 15 مصرياً فرضت عليهم السلطات منع سفر لمدّة تصل إلى ست سنوات في بعض الحالات. ومن بين هؤلاء الأشخاص، واجه ستّة تجميد أصول، الأمر الذي أدّى إلى عزلهم عن النظام المصرفي تماماً.
وسبق أن وثّقت "هيومن رايتس ووتش" أنّ حكومة عبد الفتاح السيسي استخدمت منهجياً إجراءات لمنع سفر عشرات المعارضين الفعليين أو المفترضين. بدورهما، أعدّ "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط" و"مبادرة الحرية" تقارير عن هذه القضية. وقد وجدت المنظمات التي تناولت هذه القضية أنّ قرار وزير الداخلية في عام 1994 يمنح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة لفرض منع السفر من دون أوامر قضائية لمدّة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
وقال الخاضعون لمنع السفر لـ "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش" إنّهم علموا عادةً بمنع سفرهم في المطار، في أثناء محاولتهم الصعود إلى الطائرة، وإنّ السلطات لم تقدّم سبلاً قانونية واضحة للطعن في هذا المنع في المحاكم. وأشار أحدهم إلى أنّه قدّم التماساً إلى النائب العام، لكنّه رُفض من دون تبرير. كذلك رفع آخر دعوى أمام محكمة الجنايات لإسقاط المنع، فيما قدّم ثالث التماساً إلى مجلس الدولة المصري الذي يستضيف المحاكم الإدارية للتدخّل، لكن طلبَيهما رُفضا. ولعلّ غياب الأساس القانوني الواضح للمنع وأيّ وسيلة للطعن فيه يؤكدان طبيعته التعسفية.
وكانت الخسائر الشخصية طويلة الأجل لمنع السفر وتجميد الأصول مدمّرة. وقد روى كلّ من قابلته المنظمتان تقريباً أنّه فقد فرص العمل والدخل، وكشف كثيرون أنّ عدم معرفة تاريخ انتهاء هذه القيود التعسفية أثّر بشكل خطر بصحتهم النفسية. كذلك فإنّ لهذه القيود تأثيراً محبطاً على نشاط حقوق الإنسان لأنّها تثني الجمهور عن انتقاد السلطات.
وبعد تجميد تعسفي للأصول في عام 2016، لم تعد المحامية النسوية البارزة ومؤسسة "مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية" عزة سليمان قادرة على العمل في الأمم المتحدة، إذ انقطعت عن النظام المصرفي، الأمر الذي منعها من الحصول على راتب. كذلك فإنّها لم تتمكّن من بيع سيارتها، إذ سيُعَدّ البيع نقلاً لأحد الأصول. من جهته، أفاد المدافع عن حقوق الإنسان جاسر عبد الرازق بأنّه مُنع من تجديد رخصة سيارته، لأنّها من الأصول، بحسب ما يبدو.
وتابعت المنظمتان أنّ "منع السفر أدّى فعلياً إلى تهميش أعضاء المجتمع المدني الذين كانوا على اتصال منتظم بصانعي السياسات في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والأمم المتحدة".
وذكرتا أنّ السيسي أعلن عام 2022 "عام المجتمع المدني"، كجزء من استراتيجية حقوق الإنسان الجديدة التي كشفت عنها مصر في عام 2021 بعد أن انتقدت 32 دولة عضواً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سجلّها الحقوقي. وتخضع الحكومة لتدقيق دولي في عام 2022 لأنّها ستستضيف قمة المناخ العالمية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ووصفت "هيومن رايتس ووتش" اختيار مصر بأنّه "خيار سيّئ جداً" في ضوء الأزمة الحقوقية في البلاد التي تشمل سجن نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان على نطاق واسع، إلى جانب القوانين التي تجرّم التجمّع السلمي.
وأكّدت المنظمتان أنّ منع السفر يُطبّق كعقوبات على العمل السلمي، كما في حالات الأشخاص الذين قابلتاهم، تعسفاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان، بما في ذلك عندما يكون المنع جزءاً من محاكمة جنائية ذات دوافع سياسية تستهدف هذا النشاط. يجب أن يتمكن أي شخص خاضع لمنع السفر من الطعن في المنع أمام المحكمة.
وقد أكدت منظمات حقوقية ان أكثر من 10 الاف معارض مصري ممنوعين من السفر ومرصدين في حالة عودتهم للبلاد.
دعوات لبريطانيا بالضغط على مصر لرفع منع سفر ناشطين
وفي سياق متصل ، نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا أشارت فيه إلى دعوات لوزيرة الخارجية ليز تروس للضغط على مصر لإنهاء استخدام منع السفر عن الناشطين والكتاب لاسيما أولئك الذين لديهم صلات دولية.
ووجهت سيدة بريطانية تدعى جيس كيلي وهي زوجة الناشط المصري كريم إنارة دعوة للدفاع عن حالة زوجها وطرح قضيته أمام وزير الخارجية المصري الذي بدأ زيارة للندن يوم الاثنين الماضي.
واعتقل إنارة مع عدد من موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، منظمة حقوق الإنسان المعروفة في عام 2020 "بتهم إرهاب".
وأفرج عنهم بعد اهتمام دولي وشجب للتحرك المصري، ولكن منعوا من السفر إلى جانب المئات الذي يواجهون وضعا مماثلا.
وقالت كيلي: "كان الأسبوعان عند اعتقال كريم مثل جهنم"، "لكن لم أكن جاهزة لـ 19 شهرا الماضية منذ الإفراج عنه، ولم أكن قادرة على رؤيته نظرا لتعرضه لعقاب بمنعه من السفر إضافة لتجميد حساباته".
وبعد الإنقلاب الذي جلب عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013، فإنه أشرف على حملة اعتقال لألاف من معارضيه والمحتجين، معظمهم من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، ولكن القمع شمل الليبراليين والأصوات من اليسار.
من بين المعارضين الناشط علاء عبد الفتاح، الذي اعتقل في ظل حسني مبارك ومحمد مرسي والنظام الحالي. وبدأ إضرابا عن الطعام، حيث كتب 34 نائبا رسالة إلى وزير الخارجية سامح شكري طالبوا بالإفراج عنه.
وجاء شكري إلى لندن للإعلان عن "مجلس المشاركة البريطاني- المصري"، وهو محاولة لجلب البلدين معا، رغم سجل البلد في حقوق الإنسان.
وكتب النواب: "كأصدقاء لمصر ونقدر الروابط التاريخية العميقة بين البلدين، فيجب علينا الصراحة في التعبير معارضتنا لحكم كهذا".
ولا يمكن للناشطين أو الممنوعين من السفر ممارسة حرية التعبير خشية اعتقالهم من جديد. كما ولا يستطيعون الخروج إلى المنفى ونقد النظام من موقع آمن.
وقال جاسر عبد الرزاق، المدير السابق للمبادرة المصرية والممنوع من السفر: "لم يكونوا قادرين على سجن هؤلاء الناس لعدة أسباب والبديل هو التحرش بهم".
المطارات المصرية "مصيدة" للمعارضين
ومع تنامي، ظاهرة إيقاف الجهات الأمنية لبعض المصريين المسافرين أو العائدين من الخارج في مطارات مصر، خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصًا المحسوبين على المعارضة، أو الحقوقيين والصحافيين، من دون أسباب قانونية غالبا، ولأسباب تبدو متعسفة في بعض الأحوال. ورصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، هذه الظاهرة في تقرير "المصيدة".
ولا يقتصر ترصّد أجهزة الأمن على المسافرين فقط، سواء للدراسة أو الهجرة أو السياحة، بل امتد الأمر لترصد العائدين من الخارج أيضا، والذين يتم القبض عليهم واحتجازهم قبل عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا تمهيدًا لمحاكمتهم، أو حبسهم احتياطيا لمدد غير محددة، وفي بعض الحالات تركهم يسافرون بقرار من شخص مسؤول
ونقلت الشبكة العربية عن أحد الضباط أن "هناك العديد من القوائم في المطارات، والتي يمكن أن يجد المسافر أو العائد اسمه ضمن إحداها، وأهمها قوائم (المنع من السفر)، والتي ترسل إلى أجهزة المطار من دون تحديد السبب، ويتم منع المواطن بناء عليها من السفر بدون القبض عليه، ومن دون إخطاره بالأسباب التي قد لا يعرفها رجال أمن المطار أنفسهم، فضلًا عن قوائم (ترصد السفر)، وهي قائمة تعني توقيف المواطن خلال إنهاء إجراءات سفره، ويتوقف قرار سفره أو منعه على الجهة التي طلبت إخطارها بسفره".
وهناك أيضا قوائم (ترصد الوصول)، وهي قائمة تعني توقيف المواطن العائد من الخارج لحين اتخاذ قرار بشأنه، إلى جانب قوائم (المنع من الدخول)، وهي قوائم تضم غالبًا أشخاصا غير مصريين، ويتم توقيفهم في المطار ومنعهم من الدخول، مثل الصحافيين والحقوقيين الدوليين، وهناك أيضًا (إخطار الجمارك)، وهذه القائمة لا تعني غالبا أن المسافر أو العائد يحمل أدوات أو ممنوعات يحاول تهريبها، لكنها تعني تحويله إلى مأمور الجمارك للبحث في أوراقه وكتبه، أو هاتفه أو جهاز الكمبيوتر المحمول، عن مواد لا ترضى عنها السلطات، بغض النظر عن قانونيتها.
وطرحت الورقة القانونية "المصيدة" أمثلة لبعض الضحايا، ومنهم الحقوقي إبراهيم متولي، الذي يُعد أحد أهم النماذج الفجة في العصف بالقانون، ففي 10 سبتمبر/أيلول 2017، توجّه إلى مطار القاهرة قاصدًا السفر إلى جنيف للمشاركة في الدورة 113 لمجموعة عمل الأمم المتحدة المعنية بحالات الإخفاء القسري، كونه منسقًا لرابطة أسر المخفيين قسريًا، إلا أن سلطات المطار ألقت القبض عليه، وظل قيد الحبس الاحتياطي في سجن العقرب شديد الحراسة بزنزانة انفرادية في ظروف شديدة السوء
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد قضائه عامين كاملين، تقرر إخلاء سبيله، إلا أن القرار لم يُنفذ، وتم تدويره على ذمة قضية أخرى، وأًخلى سبيله منها في أغسطس/آب 2020، إلا أن أجهزة الأمن قررت تدويره على ذمة قضية ثالثة، ومازال قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن، بعد قضائه أربع سنوات في زنزانة انفرادية بسجن شديد الحراسة
ومن بين العائدين إلى المصيدة، الصحافي إسماعيل الإسكندراني، والذي ألقت قوات الأمن بمطار الغردقة القبض عليه، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد عودته من ألمانيا، وعُرض على نيابة أمن الدولة العليا التي وجهت إليه التهم المكررة بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، قبل أن تتم إحالة قضيته للنظر أمام القضاء العسكري الذي أصدر حكما بالحبس لمدة 10 سنوات، باتهامات متعلقة بإفشاء أسرار عسكرية، وذلك في النصف الأول من 2018، وما زال الإسكندراني سجينًا لا أمل لديه في الخروج إلا من خلال عفو رئاسي
وكذلك الصحافي في قناة الجزيرة، ربيع الشيخ، والذي عاد قادمًا من قطر، في الأول من أغسطس/آب الماضي، بعد فترة انقطاع امتدت لسنوات. ورغم عدم تورطه في أي مخالفة للقانون، وعلى الرغم من المصالحة مع قطر، فقد تم القبض عليه، والتحقيق معه باتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وما زال محتجزا.
وحق السفر والتنقل منصوص عليه في الدستور المصري الصادر عام 2014، في المادة رقم 62، على أنه حق مكفول، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من المغادرة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه: "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته، ولكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده. ولا يجوز تقييد الحقوق المذكورة بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متماشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد. ولا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده".